تأثير فوز ترامب على أزمة الشرق الأوسط
عابد حسين باركزهي
انتهى أطول سباق انتخابي في العالم بأمريكا في نوفمبر 2024 بفوز الجمهوري دونالد ترامب بـ312 صوتاً انتخابياً من إجمالي 538 صوتاً.
وكانت سيطرة الجمهوريين على مجلسي النواب والشيوخ والتناوب الكامل للآراء في سبع ولايات رئيسية "أريزونا وبنسلفانيا وميشيغان وويسكونسن ونورث كارولينا ونيفادا وجورجيا" لصالح ترامب بمثابة انتصار خالد للجمهوريين في الانتخابات الرئاسية الـ 49.
عودة ترامب إلى البيت الأبيض تهيمن مرة أخرى على أمريكا والساحة الدولية المدرسة الفكرية الترامبية التي لا يمكن التنبؤ بها.
حتى بضعة أشهر مضت، وفي خضم المحاكم متعددة الأغراض ضد ترامب، لم يتنبأ أحد أو أي شركة استطلاع بمثل هذه النتائج لهذه الانتخابات.
ترامب والسياسة الخارجية الأمريكية
يتصرف ترامب والجمهوريون بشكل عام بصورة متغطرسة وعدوانية في السياسة الخارجية.
ووفقاً للوعود الانتخابية في مجال السياسة الخارجية، يعتزم ترامب التسوية والتعامل مع قضية أوكرانيا من خلال تسليم شبه جزيرة القرم إلى روسيا ووضع سياسات أكثر صرامة ضد الصين وإيران والانسحاب من العديد من الاتفاقيات الإقليمية والعالمية على جدول الأعمال؛ وتوسيع العلاقات التجارية العسكرية مع الدول العربية الرأسمالية؛ و إعادة العلاقات مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي إلى عهد ما قبل بايدن، والأهم من ذلك، بناء على الوعد الذي قطعه للناخبين المسلمين الذين دعموه، والقیام بكبح أزمة الشرق الأوسط من خلال إنهاء الحرب في غزة.
حل ترامب لأزمة الشرق الأوسط
ومن أجل تقديم نفسه كبطل ومنقذ لشعب غزة أمام الناخبين المسلمين الأمريكيين ومنظمات حقوق الإنسان، حذر ترامب نتنياهو قبل دخول البيت الأبيض من أن یفكر في وقف إطلاق النار في غزة قبل يناير والتنصيب الرئاسي.
ويعتزم ترامب تطبيق وتنفيذ أسلوب جديد في استمرار مشروع الشرق الأوسط الجديد المتمركز حول النظام الإسرائيلي.
ومما لا شك فيه أن ما يسمى بحلف إبراهيم وتطبيع العلاقات بين النظام الصهيوني والدول العربية الإسلامية وخطة ترامب الجديدة للشرق الأوسط دخلت في غيبوبة بعد 7 أكتوبر، ووصلت إلى طريق مسدود ولعل هذا كان من الإنجازات العظيمة للمقاومة الفلسطينية.
إن إحياء اتفاق إبراهيم والعودة إلى ما قبل 7 تشرين يبدو مستحيلاً وخلال الأشهر الثلاثة عشر من الحرب والدمار في غزة، أبدت معظم دول وأمم العالم كراهية غير مسبوقة للنظام الصهيوني وتوصلت إلى نتيجة مفادها أن خطة الدولتين (فلسطين - إسرائيل) وإنشاء دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، والمعروفة باسم العودة إلى حدود 1967، يجب أن تكتمل في أقرب وقت ممكن.
وكانت حرب غزة واحدة من أكثر الحروب دموية وإبادة جماعية ضد الإنسانية، حيث أسفرت عن مقتل أكثر من 50 ألف شخص وجرح عشرات الآلاف خلال العام الماضي وفي مساحة بضعة هكتارات من الأراضي، تم تهجير وقمع أكثر من 2 مليون و500 ألف شخص من قبل النظام الصهيوني.
إن حادثة 7 أكتوبر أزالت القناع عن وجه النظام الصهيوني القاتل للأطفال وأزالت الغبار عن عيون أحرار العالم، وحالياً أصبحت إسرائيل من أكثر الدول المكروهة على المستوى الدولي، ويخضع نتنياهو وغالانت للمحاكمة الجنائية من قبل المحكمة الجنائية الدولية. إن المقاومة الفلسطينية، وخاصة شعب غزة البطل، حظيت بإشادة العالم أجمع ومن المرجح أن يتعامل ترامب مع نظام نتنياهو بمزيد من الحذر في هذه الولاية الرئاسية.
وبطبيعة الحال، لم يطرأ أي تغيير على سياسة أميركا تجاه دعم النظام الصهيوني، سواء في العهدين الديمقراطي أو الجمهوري؛ لكن أسلوب دعم إسرائيل يرتكز على المصالح الأميركية والظروف الجديدة، من أجل الحفاظ على توازن القوى في الشرق الأوسط.
سيناريوهات ترامب المحتملة في أزمة غزة:
السيناريو الأول؛ استمرار الحرب بين غزة ولبنان في الأشهر الستة الأولى من رئاسة ترامب حتی يكون لدى النظام الإسرائيلي ما يكفي من الوقت لإضعاف (=تدمير) حماس وحزب الله خلال هذه الفترة، لإجبار حماس على تبادل الأسرى وإجبار حزب الله على التراجع خلف النهر، وفي هذه الأثناء، يمكنه تقديم النظام الصهيوني باعتباره القوة العسكرية والسياسية الوحيدة المتفوقة في الشرق الأوسط وحارس مصالح أمريكا والغرب.
السيناريو الثاني؛ سيحاول ترامب تبرير اغتيال وقتل قادة حماس وحزب الله وإلحاق خسائر عسكرية فادحة بجسدي هاتين الحركتين بأنه إنجاز كبير للإسرائيليين وإجبار نتنياهو على قبول خطة وقف إطلاق النار والمصالحة للمنقذ العظيم (ترامب) في غزة لبنان.
ومن دون تردد، يطالب نتنياهو ترامب بالمزيد من التنازلات لقبول وقف إطلاق النار والمصالحة؛ وکما أنه احتل غزة، فسیطلب دعم ترامب للسيطرة على الضفة الغربية وضمها إلى إسرائيل.
السيناريو الثالث؛ ومن أجل الحفاظ على صورته المنقذة، سيضغط ترامب على إسرائيل لوقف الحرب في غزة في أقرب وقت ممكن؛ ومع ذلك، إذا أصر نتنياهو وحكومة اليمين المتطرف على مواصلة الحرب ولم يكونا على استعداد للتوصل إلى اتفاق، فمن المحتمل أن يتخذا إجراءات لإسقاط حكومة اليمين وجعل نتنياهو ضحية.
ومما لا شک فیه أن السياسيون الإسرائيليون يطالبون بأن تتحرك إسرائيل دائماً في اتجاه المصالح الأميركية في المنطقة؛ لأن مصالح إسرائيل والولايات المتحدة متشابكة، ولا يمكن لإسرائيل إكمال هذا المسار دون الدعم السياسي والعسكري من الولايات المتحدة وخاصة ترامب.
إن الهجرة العكسية للإسرائيليين والركود الاقتصادي والتكاليف الباهظة لمواصلة الحرب في الأشهر الـ 13 الماضية تتطلب من إسرائيل الاستماع إلى ترامب ووقف الحرب بهذه الإنجازات.
وبطبيعة الحال، فإن السياسة على الأرض لا تسير دائما على أساس مقامرة السياسيين من وراء الكواليس، بل على أساس أداء المقاومة الشعبية، وإجراءات الدول الإقليمية، وضغوط المنظمات الإقليمية والدولية، والأهم من ذلك دعم ومساندة الرأي العام العالمي وغيره من العوامل الفعالة جداً في وقف الحرب والدمار.
الآراء